قبل العشاء
"قبل العشاء" لياسر أبو شقرة[note:1] مسرحية عن جيل من الشباب العربي لا آباء لديه، في لحظة تاريخية مفصلية. ورغم أن الأب كان موجودا في حياة شخصيات المسرحية، إلا أنه شهيد كحال كل آباء جيل الربيع العربي بالمعنى الجمعي والثقافي للكلمة، فهم إما قتيل أو مغيب أو منفي مدفوع لهامش مسرح الحياة ليكمل رحلته في صمت مفروض.
الشخصيات
ناصر
الأم
DJ
1
غرفة كبيرة مفصولة بستار يقسمها إلى غرفة ناصر على يسار الخشبة وغرفة الأم على اليمين، تتألف غرفة ناصر من سرير على اليسار أمامه باتجاه الجمهور طاولة عليها أوراق متناثرة، بروشورات، كومبيوتر محمول، سماعات، صحون سجائر ممتلئة بالأعقاب، كؤوس شاي وفناجين قهوة بعضها لم يفرغ بعد. فوق السرير عُلِّقت بوسترات لأفلام، ولوحات لإيغون شيله ومرآة صغيرة مثبتة على الجدار بالقرب من باب المطبخ وفي الطرف الآخر أمام الستارة كنبة مستطيلة. خلف الستار باب للمطبخ، أما غرفة الأم فتغطي واجهتها بجانب باب آخر للمطبخ خزانة ضخمة وجهها الأمامي من المرايا. وأمام هذه الخزانة سرير يحتل الغرفة المرتبة بعناية. بلكون أمام الغرفتين، حافة الخشبة هي درابزون البلكون الحديدي على شكل رماح واقفة، في زاوية المسرح الأمامية من جهة غرفة ناصر منصة مرتفعة قليلاً يجلس عليها DJ مع عدته الكاملة.
(الأم تنظف غرفة ناصر بضجر وبينما ترتّبُ الأوراق على الطاولة تجد جريدة تتصفحها، وتلقي بها على الكنبة وعندما تنهي ترتيب الغرفة، تجلس على الكنبة، وتتصفح الجريدة.)
(يدخل ناصر وهو شاب طويل نحيف مظهره غير مرتب، يتفاجأ بوجود أمه في الغرفة.)
ناصر: (يلقي محفظته وأغراضه كيفما كان.) شرّفتينا.
الأم: بالعادة بيقولوا مرحبا.
ناصر: آها... بالعادة؟
الأم: يعني عموماً.
(يهز ناصر برأسه ويتجول في الغرفة بينما الأم تكمل تقليب الجريدة.)
ناصر: مين طلب منك تنضفيلي غرفتي؟
الأم: حبيت فاجأك.
ناصر: خير انشالله...
الأم: والله؟ أصلاً لحتى تنضف مزبلة مافي داعي حدى يطلب منك هالشي، ما حإستنى ليفوت الدود لعندي من غرفتك، انهد حيلي وانا عمبشتغل وبالآخر لا حمداً ولا شكورا، إيمتى ممكن تحسّ عحالك ، تزوء عدمّك، تفهم.
ناصر: (ببرود وحياد ينظر نحو السقف.) حمداً وشكورا... حمداً وشكورا أمي بس لا عاد تنضفيها. (يجلس أمام الطاولة مشغلاً اللابتوب.)
الأم: شبك ناصر؟ صاير معك شي؟
ناصر: الأمن معبي الحارة.
الأم: طيب؟ نحنا ما علينا شي... (بعد برهة) ليك... منوين جايب هي الجريدة؟ من فترة سمعت المعلمات بالمدرسة عمبيقولو إنو هي الجريدة ما عاد فاتت لعنا؟
ناصر: فوّتّا.
(صمت)
الأم: حفوت جيب العشا.
ناصر: عظيم... حموت من جوعي.
(تدخل الأم إلى المطبخ لإحضار العشاء بينما يرّتب ناصر شعره امام المرآة، وعندما تخرج بالطعام يخرج معها ناصر إلى البلكون. حركتهما تبدو روتينية، ويؤديانها بسلاسة. بعد أن يجلسا لتناول الطعام تضاء زاوية الـ DJ فيما تخفت إضاءة المسرح، وتصدح موسيقى أوركسترالية. يتحرك المشهد خلالها بحركة عكسية إلى أن يعود للوضع الذي كان عليه قبل نهوض الأم لجلب الطعام. حركة الشخصيات على الخشبة تشعرنا بأننا نرى مشهد فيديو يُعاد بسرعة... تعتيمٌ لثانيتين ثم تعود الشخصيات إلى وضعها الطبيعي قبل اقتراح جلب العشاء.)
ناصر: الأمن مْعَبّي الحارة.
الأم: طيب؟ نحنا ما علينا شي... (بعد برهة) ليك... من وين جايب هي الجريدة؟ سمعت المعلمات بالمدرسة عم يقولوا إنو هي الجريدة ما عاد فاتت لعنّا؟
ناصر: فَوَّتَّا.
الأم: عم بقرا حوار مع غسان مسعود... أستاذك هو مو؟ يا الله شو حلو، بس لسا ما خلصتو، شو رأيك فيه؟
ناصر: ما قريتو.
(يضع سماعات اللابتوب على أذنيه.)
الأم: له له يا نصور راحت عليك. ولا لأ ليش راحت خليني إقرالك... شوف العنوان شو حزين... يا الله ما أحلى هالرجال.
(تقرأ)
لا تقتلونا سنموت وحدنا
(منتظرةً رد فعل ناصر الذي لم يسمع.)
أنا عم بحكي مع حالي؟ ناصر... (تصرخ) ناصر!
ناصر: (ينزع السماعات) إي إمي... شو في؟
..
ياسر أبو شقرة كاتب مسرحي فلسطيني سوري، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، قسم الدراسات المسرحية.